أخيرا، أصبحت البلدان والشركات في جميع أنحاء العالم جادة بشأن تغير المناخ. وبالنسبة لأميركا اللاتينية، يمكن أن يجذب هذا التحول الأخضر المتسارع استثمارات بمئات المليارات ويساعد على تحفيز الانتعاش الاقتصادي والسماح للدول بتحقيق طفرة من الناحية التكنولوجية. والمطلوب هو تحقيق تحول في السياسة، لا سيما في البرازيل والمكسيك، أكبر اقتصادين في المنطقة.

لقد عززت العشرات من الدول التزاماتها فيما يتعلق بإبطاء ارتفاع درجات الحرارة في الفترة التي تسبق مؤتمر الأمم المتحدة المقبل حول تغير المناخ باسم COP 26، المقرر عقده في جلاسجو خلال شهر نوفمبر المقبل. وفي هذا الإطار، تعهدت أوروبا والولايات المتحدة بخفض انبعاثاتها بمقدار النصف أو أكثر خلال العقد المقبل، بينما تعهدت الاقتصادات الناشئة بتقليص الانبعاثات في المستقبل وتعزيز التكيف عن طريق إعادة تصميم المدن وإعادة التفكير في الممارسات الزراعية.

إن الإنفاق العام اللازم للوفاء بهذه الالتزامات آخذ في الارتفاع، حيث خصص الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة والصين أموالا لإنشاء المزيد من محطات الطاقة الشمسية وتوربينات الرياح ومحطات الشحن الكهربائي والمباني الموفرة للطاقة. وعالميا، تتضاءل الإعفاءات الضريبية للفحم وأنواع الوقود الأحفوري الأخرى بينما يتزايد دعم ضرائب تعديل حدود الكربون.

وتشارك الشركات في هذا الجهد، حيث تعتزم شركة ميكروسوفت التخلص من المزيد من الكربون الذي تسهم في انبعاثه كل عام، وتأتي شركات «وولمارت» و«أسترازينيكا» للأدوية و«توتال انيرجي» الفرنسية و«ماستر كارد» بين الشركات العديدة التي تعمل بالفعل نحو تحقيق «صفر انبعاثات» خلال العقدين المقبلين. وتواجه الشركات المتباطئة تهديد ثورات المساهمين: تشير المتاعب الأخيرة لشركة «اكسون موبيل» مع صندوق التحوط (Engine No.1) إلى المزيد من التغييرات البارزة في مجلس الإدارة من قبل نشطاء المناخ.

وتعتبر صناديق الحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات، والتي تعرف اختصارا بـ ESG من أسرع الأوعية المالية نمواً في العالم، حيث يبلغ إجمالي قيمتها بالفعل نحو 1.7 تريليون دولار. وتخطط شركة «بلاك روك» وغيرها من الشركات الاستثمارية الكبرى لتفضيل الشركات الصديقة للبيئة في محافظها اليومية، مما يؤدي إلى زيادة تريليونات الدولارات.

يمكن لدول أميركا اللاتينية الاستفادة من هذا التحول السريع. تبدأ المنطقة بواحدة من أنظف مصفوفات الطاقة، حيث تستمد نصف الكهرباء لديها من مصادر خضراء. فهي لديها إمكانات هائلة من الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والطاقة المائية وإمكانات الطاقة الحرارية الأرضية، من صحراء أتاكاما في تشيلي إلى المناطق النائية التي تجتاحها الرياح (سيرتاو) في شمال شرق البرازيل والعواصف التي تهب قبالة الشواطئ الشمالية لكولومبيا، ومن غابات كوستاريكا التي تغمرها الأمطار إلى النطاقات البركانية التي تمر عبر المكسيك وأميركا الوسطى. وهذه المنطقة هي أيضا موطن احتياطات الغاز الصخري التي تساعد على التحول من النفط والفحم إلى مصادر الطاقة المتجددة. ويتردد صدى الوعود الاقتصادية ليتجاوز الطاقة: ينبغي أن تجتذب الانبعاثات المنخفضة في أميركا اللاتينية وإمكانات الطاقة النظيفة المستقبلية المصنعين ومقدمي الخدمات العالميين الذين يتطلعون إلى الوفاء بتعهداتهم بشأن المناخ. ومع ذلك، فإن وجود دائرة قوية من الاستثمار الملائم للمناخ والوظائف والنمو الاقتصادي المستدام يبدو أقل احتمالا كل يوم.

فمع تسارع التحول الأخضر في العالم، كان أكبر اقتصاديين في أميركا اللاتينية يسيران في الاتجاه المعاكس. تصر المكسيك على استخدام الوقود الأحفوري في المستقبل. فقد اتخذت إدارة لوبيز أوبرادور إجراءات ضد الطاقة المتجددة، فجعلت مولدات الرياح والطاقة الشمسية في نهاية قائمة مزودي الطاقة الكهربائية، مما أدى إلى ارتفاع الأسعار وزيادة التلوث. وتهيمن عمليات التنقيب عن النفط وتكريره على النفقات الرأسمالية للحكومة، بينما تخلت تماما عن تعهدات المناخ الدولية السابقة.

هذه التحركات تحجب الاستثمار الدولي في الطاقة. وعاجلا وليس آجلا، ستجعل من الصعب على الشركات المدرجة في قائمة فورتشن 500 –ومن بينها شركة جنرال موتورز وتويوتا موتور وفورد موتور –القدوم أو حتى البقاء في المكسيك حيث تصبح طاقتها أكثر إحداثا للتلوث وأكثر تكلفة وأقل موثوقية. والبرازيل، أيضا، غير متوافقة مع الاتجاهات العالمية. فقد ارتفعت انبعاثات الكربون لديها بشكل كبير في عهد الرئيس جايير بولسونارو لأن إدارته كانت تمكّن، إن لم تكن تشجع، إزالة غابات الأمازون من خلال خفض الميزانية المخصصة للمراقبة، وتقويض التحقيقات والتقاعس في تحصيل الغرامات. في 2019، قام بولسونارو بسحب عرض البرازيل لاستضافة مؤتمر الأمم المتحدة للمناخ، مما قوض الدور العالمي البارز الذي لعبته البرازيل في هذه المفاوضات. وتسبب موقف بولسونارو المناهض للبيئة بالفعل في خسائر مالية واقتصادية، حيث تم تحرمان العديد من صناديق الاستثمار في بلدان الشمال الأوروبي، والتي تضم مئات المليارات من الدولارات، من الاستثمار.

وأدى سلوك البرازيل إلى شل عملية التصديق على اتفاقية التجارة الحرة بين الاتحاد الأوروبي ودول الميركوسور، والتي استغرق إعدادها 20 عاما. والمشاكل المالية في الأرجنتين تجعل من الصعب جذب الأموال لاستغلال بعضٍ من أكبر اكتشافات الغاز الصخري في العالم، وبالفعل تحاول العديد من صناديق ESG التحول بعيدا عن فكرة الرهان على الانتقال إلى وقود أكثر نظافة في المستقبل. وبالطبع، فإن أقصى الحالات هي فنزويلا، حيث يكون من الصعب جذب الاستثمار، خاصة بالنسبة للوقود التقليدي الذي تروج له. لكن لا تزال هناك إمكانية. فقد وضعت تشيلي نصب أعينها تحقيق حياد الكربون بحلول 2050؛ حيث تنفق الأموال المحلية والدولية على مشاريع توليد الطاقة الشمسية وطاقة الرياح وكهربة وسائل النقل العام.

وتخطط شركة الطاقة الكولومبية المملوكة للدولة «إيكوبترول» لمستقبل أقل كثافة للكربون. وانضمت خمس دول في أميركا اللاتينية إلى الرئيس جو بايدن في أبريل في «قمة القادة حول المناخ». تحتاج دول أميركا اللاتينية إلى ترليونات الدولارات من أجل البنية التحتية والخدمات الأساسية الأخرى لتحفيز اقتصاداتها وتلبية تطلعات الملايين من المواطنين. حتى قبل كوفيد-19، لم تكن القطاعات العامة قادرة على تلبية هذا الطلب. ويمكن لترليونات الدولارات التي يتم تخصيصها للبحث عن عائدات خضراء في العالم أن تملأ

الكثير من هذه الفجوة، مع تمكين أميركا اللاتينية لهؤلاء المستثمرين من القيام بعمل جيد.

شانون أونيل*

*زميلة بارزة متخصصة في شؤون أميركا اللاتينية بمجلس العلاقات الخارجية الأميركي

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»